فصل: حكم التمسح بالكعبة والركن اليماني طلباً للبركة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين **


حكم قراءة القرآن الكريم على القبور والدعاء للميت عند قبره ودعاء الإنسان لنفسه عند القبر

‏(‏362‏)‏ وسئل فضيلة الشيخ ‏:‏ عن حكم قراءة القرآن الكريم على القبور‏؟‏ والدعاء للميت عند قبره‏؟‏ ودعاء الإنسان لنفسه عند القبر‏؟‏

فأجاب بقوله ‏:‏ قراءة القرآن الكريم على القبور بدعة، ولم ترد عن النبي - صلى الله عليه وسلم- ولا عن أصحابه؛ وإذا كانت لم ترد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا عن أصحابه فإنه لا ينبغي لنا نحن أن نبتدعها من عند أنفسنا؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال فيما صح عنه‏:‏ ‏(‏كل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار‏)‏ والواجب على المسلمين أن يقتدوا بمن سلف من الصحابة، والتابعين لهم بإحسان حتى يكونوا على الخير والهدى؛ لما ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال ‏:‏ ‏(‏خير الكلام كلام الله ، وخير الهدي هدي محمد- صلى الله عليه وسلم-‏)‏ ‏.‏ وأما الدعاء للميت عند قبره فلا بأس به ، فيقف الإنسان عند القبر ويدعو له بما يتيسر، مثل أن يقول ‏:‏‏:‏ اللهم اغفر له، اللهم ارحمه، اللهم أدخله الجنة ، اللهم افسح له في قبره، وما أشبه ذلك‏.‏

وأما دعاء الإنسان لنفسه عند القبر فهذا إذا قصده الإنسان فهو من البدع أيضاً ؛ لأنه لا يخصص مكان للدعاء إلا إذا ورد به النص؛ وإذا لم يرد به النص، ولم تأت به السنة فإنه - أعني تخصيص مكان للدعاء- أياً كان ذلك المكان - يكون تخصيصه بدعة‏.‏

هل قوله - تعالى‏:‏ ‏{‏وأن ليس للإنسان إلا ما سعى‏}‏ يدل على أن الثواب لا يصل إلى الميت إذا أهدي له‏؟‏

‏(‏363‏)‏ وسئل فضيلة الشيخ ‏:‏ هل قوله - تعالى‏:‏ ‏{‏وأن ليس للإنسان إلا ما سعى‏}‏ يدل على أن الثواب لا يصل إلى الميت إذا أهدي له‏؟‏

فأجاب بقوله ‏:‏ قوله - تعالى- ‏:‏ ‏{‏وأن ليس للإنسان إلا ما سعى‏}‏ المراد - والله أعلم - أن الإنسان لا يستحق من سعي غيره شيئاً ، كما لا يحمل من وزر غيره شيئاً ؛ وليس المراد أنه لا يصل إليه ثواب سعي غيره ؛ لكثرة النصوص الواردة في وصول ثواب سعي الغير إلى غيره وانتفاعه به إذا قصده به ، فمن ذلك‏:‏

1- 1- الدعاء‏:‏فإن المدعو له ينتفع به بنص القرآن الكريم والسنة،وإجماع المسلمين ، قال الله -تعالى -لنبيه -صلى الله عليه وسلم- ‏:‏ ‏{‏واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات‏}‏ وقال - تعالى‏:‏ ‏{‏والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم‏}‏ فالذين سبقوهم بالإيمان هم المهاجرون والأنصار ، والذين جاؤوا من بعدهم هم التابعون فمن بعدهم إلى يوم الدين ؛وثبت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -أنه أغمض أبا سلمة، وقال ‏:‏ ‏(‏اللهم اغفر لأبي سلمة وارفع درجته في المهديين، واخلفه في عقبه ، وافسح له في قبره ، ونور له فيه‏)‏ ‏.‏ وكان صلى الله عليه وسلم يصلي على أموات المسلمين ، ويدعو لهم ، ويزور المقابر ، ويدعو لأهلها ، واتبعته أمته في ذلك حتى صار هذا من الأمور المعلومة بالضرورة من دين الإسلام؛ وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏(‏ما من رجل مسلم يموت فيقوم على جنازته أربعون رجلاً لا يشركون بالله شيئاً إلا شفعهم الله فيه‏.‏‏.‏‏.‏‏)‏ ‏.‏

وهذا لا يعارض قول النبي - صلى الله عليه وسلم - ‏:‏ ‏(‏إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث‏:‏ صدقة جارية ، أو علم ينتفع به ، أو ولد صالح يدعو له‏)‏ رواه مسلم لأن المراد به عمل الإنسان نفسه ، لا عمل غيره له ؛ وإنما جعل دعاء الولد الصالح من عمله ؛ لأن الولد من كسبه، حيث إنه هو السبب في إيجاده ، فكأن دعاءه لوالده دعاء من الوالد نفسه - بخلاف دعاء غير الولد لأخيه ، فإنه ليس من عمله - وإن كان ينتفع به -؛ فالاستثناء الذي في الحديث من انقطاع عمل الميت نفسه لا عمل غيره له، ولهذا لم يقل ‏:‏ انقطع العمل له ، بل قال‏:‏ ‏(‏انقطع عمله‏)‏‏.‏ وبينهما فرق بين ‏.‏

2- 2- الصدقة عن الميت ‏:‏ ففي صحيح البخاري عن عائشة - رضي الله عنها - أن رجلاً قال للنبي - صلى الله عليه وسلم - ‏:‏ إن أمي افتلتت نفسها ‏(‏ماتت فجأة‏)‏ ، وأظنها لو تكلمت تصدقت فهل لها أجر إن تصدقت عنها‏؟‏ قال‏:‏ ‏(‏نعم‏)‏ ‏.‏ وروى مسلم نحوه من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-؛ والصدقة عبادة مالية محضة‏.‏

3- 3- الصيام عن الميت‏:‏ ففي الصحيحين عن عائشة - رضي الله عنها- أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال ‏:‏ ‏(‏من مات وعليه صيام صام عنه وليه‏)‏ والولي هو الوارث ؛ لقوله - تعالى-‏:‏ ‏{‏وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله إن الله بكل شيء عليم‏}‏، ولقول النبي - صلى الله عليه وسلم - ‏:‏ ‏(‏ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فهو لأولى رجل ذكر‏)‏ متفق عليه ؛ والصيام عبادة بدنية محضة‏.‏

4- 4- الحج عن غيره‏:‏ ففي الصحيحين من حديث ابن عباس - رضي الله عنهما -أن امرأة من خثعم قالت‏:‏ يا رسول الله إن فريضة الله على عباده في الحج أدركت أبي شيخاً كبيراً لا يثبت على الراحلة؛ أفأحج عنه‏؟‏ قال‏:‏ ‏(‏نعم‏)‏ ‏.‏ وذلك في حجة الوداع‏.‏ وفي صحيح البخاري عن ابن عباس - رضي الله عنهما- أن امرأة من جهينة قالت للنبي - صلى الله عليه وسلم - ‏:‏ إن أمي نذرت أن تحج فلم تحج حتى ماتت أفأحج عنها ‏؟‏ قال ‏:‏ ‏(‏ نعم ، حجي عنها ، أرأيت لو كان على أمك دين أكنت قاضيته‏؟‏ اقضوا الله ، فالله أحق بالوفاء‏)‏‏.‏

فإن قيل ‏:‏ هذا من عمل الولد لوالده ؛ وعمل الولد من عمل الوالد كما في الحديث السابق ‏:‏ ‏(‏إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث‏.‏‏.‏‏.‏‏)‏ حيث جعل دعاء الولد لوالده من عمل الوالد ‏؟‏ فالجواب من وجهين‏:‏

أحدهما‏:‏أن النبي-صلى الله عليه وسلم- لم يعلل جوازحج الولد عن والده بكونه ولده، ولا أومأ إلى ذلك؛بل في الحديث مايبطل التعليل به؛ لأن النبي-صلى الله عليه وسلم- شبهه بقضاء الدين الجائزمن الولد، وغيره؛ فجعل ذلك هو العلة-أعني كونه قضاء شيء واجب عن الميت‏.‏

الثاني ‏:‏ أنه قد جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ما يدل على جواز الحج عن الغير ، حتى من غير الولد‏:‏ فعن ابن عباس- رضي الله عنهما- أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سمع رجلاً يقول‏:‏لبيك عن شبرمة ‏.‏قال‏:‏ ‏(‏من شبرمة‏)‏‏؟‏ قال‏:‏أخ لي أو قريب لي ‏.‏قال‏:‏ ‏(‏ حججت عن نفسك ‏؟‏‏)‏ قال ‏:‏ لا ‏.‏ قال ‏:‏ ‏(‏حج عن نفسك، ثم حج عن شبرمة‏)‏ ‏.‏ قال في البلوغ‏:‏ رواه أبو داود وابن ماجه ‏.‏ وقال في الفروع ‏:‏ إسناده جيد احتج به أحمد في رواية صالح، لكنه رجح في كلام آخر أنه موقوف؛ فإن صح المرفوع فذاك؛ وإلا فهو قول صحابي لم يظهر له مخالف؛ فهو حجة، ودليل على أن هذا العمل كان من المعلوم جوازه عندهم ؛ ثم إنه قد ثبت حديث عائشة في الصيام ‏:‏ ‏(‏من مات وعليه صيام صام عنه وليه‏)‏ ‏.‏ والولي هو الوارث سواء كان ولداً أم غير ولد؛ وإذا جاز ذلك في الصيام مع كونه عبادة محضة فجوازه بالحج المشوب بالمال أولى، وأحرى‏.‏

5- الأضحية عن الغير‏:‏ فقد ثبت في الصحيحين عن أنس بن مالك - رضي الله عنه- قال‏:‏ ‏(‏ضحى النبي - صلى الله عليه وسلم - بكبشين أملحين أقرنين ذبحهما بيده، وسمى، وكبر ووضع رجله على صفاحهما‏)‏ ‏.‏ ولأحمد من حديث أبي رافع - رضي الله عنه- أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا ضحى اشترى كبشين سمينين أقرنين أملحين فيذبح أحدهما ويقول ‏:‏ ‏(‏ اللهم هذا عن أمتي جميعاً من شهد لك بالتوحيد، وشهد لي بالبلاغ‏)‏ ‏.‏ ثم يذبح الآخر ويقول‏:‏ ‏(‏هذا عن محمد وآل محمد‏)‏‏.‏ قال في مجمع الزوائد ‏:‏ وإسناده حسن ، وسكت عنه في التلخيص ‏.‏ والأضحية عبادة بدنية قوامها المال، وقد ضحى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن أهل بيته، وعن أمته جميعاً ؛ وما من شك في أن ذلك ينفع المضحى عنهم ، وينالهم من ثوابه ؛ ولو لم يكن كذلك لم يكن للتضحية عنهم فائدة ‏.‏

6- اقتصاص المظلوم من الظالم بالأخذ من صالح أعماله ‏:‏ ففي صحيح البخاري عن أبي هريرة - رضي الله عنه- أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال ‏:‏ ‏(‏من كانت عنده مظلمة لأخيه فليتحلله منها؛ فإنه ليس ثم دينار، ولا درهم من قبل أن يؤخذ لأخيه من حسناته ؛ فإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات أخيه فطرحت عليه‏)‏‏.‏ وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - ، صلى الله عليه وسلم - قال‏:‏ ‏(‏أتدرون من المفلس‏؟‏‏)‏ قالوا ‏:‏ المفلس فينا من لا درهم له، ولا متاع ‏.‏ فقال‏:‏ ‏(‏إن المفلس من أمتي يأتي يوم القيامة بصلاة، وصيام، وزكاة، ويأتي وقد شتم هذا ، وقذف هذا ، وأكل مال هذا ، وسفك دم هذا، وضرب هذا؛ فيعطى هذا من حسناته ، وهذا من حسناته ؛ فإن فنيت حسناته ، قبل أن يقضي ما عليه أخذ من خطاياهم، فطرحت عليه، ثم طرح في النار‏)‏ ‏.‏

فإذا كانت الحسنات قابلة للمقاصة بأخذ ثوابها من عامل إلى غيره كان ذلك دليلاً على أنها قابلة لنقلها منه إلى غيره بالإهداء‏.‏

7- انتفاعات أخرى بأعمال الغير‏:‏ كرفع درجات الذرية في الجنة إلى درجات آبائهم ، وزيادة أجر الجماعة بكثرة العدد ، وصحة صلاة المنفرد بمصافة غيره له ، والأمن والنصر بوجود أهل الفضل ، كما في صحيح مسلم عن أبي بردة عن أبيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رفع رأسه إلى السماء - وكان كثيراً ما يرفع رأسه إلى السماء -، فقال ‏:‏ ‏(‏ النجوم أمنة للسماء؛ فإذا ذهبت النجوم أتى السماء ما توعد ، وأنا أمنة لأصحابي؛ فإذا ذهبت أتى أصحابي ما يوعدون، وأصحابي أمنة لأمتي فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يوعدون‏)‏ ‏.‏ وفيه أيضاً عن أبي سعيد الخدري- رضي الله عنه - قال‏:‏قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏يأتي على الناس زمان يبعث منهم البعث فيقولون ‏:‏ انظروا هل تجدون فيكم أحداً من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - فيفتح لهم به؛ ثم يبعث البعث الثاني، فيقولون ‏:‏ هل فيكم من رأى أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - فيفتح لهم به، ثم يبعث البعث الثالث، فيقال ‏:‏ انظروا هل ترون فيهم أحداً رأى من رأى أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم يكون البعث الرابع، فيقال‏:‏ انظروا هل ترون فيهم أحداً رأى من رأى أحداً رأى أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فيوجد الرجل، فيفتح لهم به‏)‏‏.‏

فإذا تبين أن الرجل ينتفع بغيره وبعمل غيره ، فإن من شرط انتفاعه أن يكون من أهله ، وهو المسلم ؛ فأما الكافر فلا ينتفع بما أهدي إليه من عمل صالح، ولا يجوز أن يهدى إليه ، كما لا يجوز أن يدعى له ويستغفر له، قال الله - تعالى - ‏:‏ ‏{‏ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم‏}‏، وعن عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - أن جده العاص بن وائل السهمي أوصى أن يعتق عنه مائة رقبة، فأعتق ابنه هشام خمسين رقبة ، وأراد ابنه عمرو بن العاص أن يعتق عنه الخمسين الباقية ، فسأل النبي - صلى الله عليه وسلم-فقال‏:‏ ‏(‏إنه لو كان مسلماً فأعتقتم، أو تصدقتم عنه، أو حججتم بلغه ذلك‏)‏ ‏.‏ وفي رواية ‏:‏ ‏(‏فلو كان أقر بالتوحيد، فصُمتَ، وتصدقت عنه نفعه ذلك‏)‏‏.‏ رواه أحمد وأبو داود‏.‏

فإن قيل ‏:‏ هلا تقتصرون على ما جاءت به السنة من إهداء القرب، وهي‏:‏ الحج، والصوم ، والصدقة ، والعتق‏؟‏

فالجواب‏:‏ أن ما جاءت به السنة ليس على سبيل الحصر، وإنما غالبه قضايا أعيان سئل عنها النبي - صلى الله عليه وسلم - فأجاب به، وأومأ إلى العموم بذكر العلة الصادقة بما سئل عنه وغيره، وهي قوله‏:‏ ‏(‏أرأيت لو كان على أمك دين أكنت قاضيته‏)‏‏.‏ ويدل على العموم أنه قال‏:‏ ‏(‏من مات وعليه صيام صام عنه وليه‏)‏ ‏.‏ ثم لم يمنع الحج، والصدقة ، والعتق، فعلم من ذلك أن شأن العبادات واحد، والأمر فيها واسع‏.‏

فإن قيل‏:‏ فهل يجوز إهداء القرب الواجبة‏؟‏ ‏.‏

فالجواب ‏:‏ أما على القول بأنه لا يصح إهداء القرب إلا إذا نواه المهدي قبل الفعل ، بحيث يفعل القربة بنية أنها عن فلان ، فإن إهداء القرب الواجبة لا يجوز لتعذر ذلك ، إذ من شرط القرب الواجبة أن ينوي بها الفاعل أنها عن نفسه قياماً بما أوجب الله - تعالى - عليه ؛ اللهم إلا أن تكون من فروض الكفايات ، فربما يقال ‏:‏ بصحة ذلك، حيث ينوي الفاعل القيام بها عن غيره، لتعلق الطلب بأحدهما لا بعينه‏.‏

وأما على القول بأنه يصح إهداء القرب بعد الفعل ويكون ذلك إهداء لثوابها بحيث يفعل القربة ويقول‏:‏ اللهم اجعل ثوابها لفلان، فإنه لا يصح إهداء ثوابها أيضاً على الأرجح ؛ وذلك لأن إيجاب الشارع لها إيجاباً عينياً دليل على شدة احتياج العبد لثوابها ، وضرورته إليه ، ومثل هذا لا ينبغي أن يؤثر العبد بثوابه غيره‏.‏

فإن قيل ‏:‏ إذا جاز إهداء القرب إلى الغير فهل من المستحسن فعله‏؟‏ ‏.‏

فالجواب ‏:‏ أن فعله غير مستحسن إلا فيما وردت به السنة ، كالأضحية، والواجبات التي تدخلها النيابة ؛ كالصوم والحج ، وأما غير ذلك فقد قال شيخ الإسلام في الفتاوى ص 322-323ج24 مجموع ابن قاسم‏:‏ ‏"‏إن الأمر الذي كان معروفاً بين المسلمين في القرون المفضلة أنهم كانوا يعبدون الله بأنواع العبادات المشروعة فرضها ونفلها ، ويدعون للمؤمنين والمؤمنات كما أمر الله بذلك ، لأحيائهم وأمواتهم‏"‏ ، قال ‏:‏ ‏"‏ولم يكن من عادة السلف إذا صلوا تطوعاً ، وصاموا، وحجوا ، أو قرؤوا القرآن الكريم يهدون ذلك لموتاهم المسلمين ، ولا لخصوصهم ‏(‏1‏)‏ ‏.‏ بل كان عادتهم كما تقدم ، فلا ينبغي للناس أن يعدلوا عن طريقة السلف ، فإنها أفضل وأكمل‏"‏ ‏.‏ أ ‏.‏ هـ ‏.‏

وأما ما روي أن رجلاً قال‏:‏ يا رسول الله إن لي أبوين، وكنت أبرهما في حياتهما فكيف البر بعد موتهما‏؟‏ ‏.‏ فقال ‏:‏ ‏(‏إن من البر أن تصلي لهما مع صلاتك ، وتصوم لهما مع صيامك ، وتصدق لهما مع صدقتك‏)‏‏.‏ فهو

حديث مرسل لا يصح ‏.‏ وقد ذكر الله - تعالى - مكافأة الوالدين بالدعاء ، فقال تعالى ‏:‏ ‏{‏وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيراً‏}‏‏.‏ وعن أبي أسيد - رضي الله عنه- أن رجلاً سأل النبي ، صلى الله عليه وسلم ، ‏:‏ هل بقي من بر أبوي شيء أبرهما به بعد موتهما‏؟‏ قال‏:‏ ‏(‏نعم ، الصلاة عليهما ، والاستغفار لهما ، وإنفاذ عهدهما من بعدهما ، وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما ،وإكرام صديقهما‏)‏‏.‏ رواه أبو داود وابن ماجه‏.‏ ولم يذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - من برهما أن يصلي لهما مع صلاته ، ويصوم لهما مع صيامه‏.‏

فأما ما يفعله كثير من العامة اليوم حيث يقرؤون القرآن الكريم في شهر رمضان أو غيره ، ثم يؤثرون موتاهم به ويتركون أنفسهم فهو لا ينبغي لما فيه من الخروج عن جادة السلف ، وحرمان المرء نفسه من ثواب هذه العبادة ، فإن مهدي العبادة ليس له من الأجر سوى ما يحصل من الإحسان إلى الغير ‏.‏ أما ثواب العبادة الخاص فقد أهداه ، ومن ثم كان لا ينبغي إهداء القرب للنبي - صلى الله عليه وسلم -؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - له ثواب القربة التي تفعلها الأمة ؛ لأنه الدال عليها والآمر بها ، فله مثل أجر الفاعل ، ولا ينتج عن إهداء القرب إليه سوى حرمان الفاعل نفسه من ثواب العبادة‏.‏

وبهذا تعرف فقه السلف الصالح من الصحابة والتابعين لهم بإحسان ، حيث لم ينقل عن واحد منهم أنه أهدى شيئاً من القرب إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - مع أنهم أشد الناس حباً للنبي - صلى الله عليه وسلم - وأحرصهم على فعل الخير ، وهم أهدى الناس طريقاً وأصوبهم عملاً ؛ فلا ينبغي العدول عن طريقتهم في هذا وغيره ؛ فلن يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها ‏.‏ والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل‏.‏

الحكمة من الطواف‏؟‏ وهل الحكمة من تقبيل الحجر التبرك به‏؟‏

‏(‏364‏)‏ وسئل فضيلته ‏:‏ عن الحكمة من الطواف‏؟‏ وهل الحكمة من تقبيل الحجر التبرك به‏؟‏

فأجاب بقوله ‏:‏ الحكمة من الطواف بينها النبي - صلى الله عليه وسلم - حين قال‏:‏ ‏(‏إنما جعل الطواف بالبيت والصفا والمروة ورمي الجمار لإقامة ذكر الله‏)‏ فالطائف الذي يدور على بيت الله - تعالى - يقوم بقلبه من تعظيم الله - تعالى - ما يجعله ذاكراً الله - تعالى - وتكون حركاته بالمشي والتقبيل ، واستلام الحجر ، والركن اليماني ، والإشارة إلى الحجر ذكراً لله تعالى ؛ لأنها من عبادته، وكل العبادات ذكر لله - تعالى - بالمعنى العام ؛ وأما ما ينطق به بلسانه من التكبير ، والذكر ، والدعاء فظاهر أنه من ذكر الله - تعالى - ‏.‏

وأما تقبيل الحجر فإنه عبادة حيث يُقَبل الإنسان حجراً لا علاقة له به سوى التعبد لله - تعالى- بتعظيمه واتباع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ذلك كما ثبت أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه- أنه قال حين قبل الحجر‏:‏ ‏(‏إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ولولا أني رأيت رسول الله يقبلك ما قبلتك‏)‏ وأما ما يظنه بعض الجهال من أن المقصود بذلك التبرك به فإنه لا أصل له فيكون باطلاً‏.‏

وأما ما أورده بعض الزنادقة من أن الطواف بالبيت كالطواف على قبور أوليائهم، وأنه وثنية فذاك من زندقتهم وإلحادهم ؛ فإن المؤمنين ما طافوا به إلا بأمر الله ، وما كان بأمر الله فالقيام به عبادة لله- تعالى -، ألا ترى أن السجود لغير الله شرك أكبر ، ولما أمر الله - تعالى - الملائكة أن يسجدوا لآدم كان السجود لآدم عبادة لله - تعالى -، وكان ترك السجود له كفراً ‏.‏

وحينئذ يكون الطواف بالبيت عبادة من أجلِّ العبادات؛ وهو ركن في الحج ؛ والحج أحد أركان الإسلام ؛ ولهذا يجد الطائف بالبيت إذا كان المطاف هادئاً من لذة الطواف وشعور قلبه بالقرب من ربه ما يتبين به علو شأنه، وفضله - والله المستعان -‏.‏

حكم التمسح بالكعبة والركن اليماني طلباً للبركة

‏(‏365‏)‏ سئل فضيلة الشيخ ‏:‏ عن حكم التمسح بالكعبة والركن اليماني طلباً للبركة‏؟‏

فأجاب قائلاً ‏:‏ ما يفعله بعض الجهلة من التمسح بالكعبة، أو الركن اليماني، أو الحجر الأسود طلباً للبركة فهذا من البدع فإن ما يمسح منها يمسح تعبداً لا تبركاً، قال عمر- رضي الله عنه‏:‏ عندما قبل الحجر الأسود‏:‏ ‏(‏إني لأعلم أنك حجر لاتضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت رسول الله يقبلك ما قبلتك‏)‏ فالأمر مبني على الاتباع لا على الابتداع ؛ ولهذا لا يمسح من الكعبة إلا الركن اليماني والحجر الأسود؛ فمن مسح شيئاً سواهما من الكعبة فقد ابتدع؛ ولهذا أنكر ابن عباس - رضي الله عنهما- على معاوية - رضي الله عنه - استلام الركنين الآخرين‏.‏

حكم التبرك بثوب الكعبة والتمسح به

‏(‏366‏)‏ سئل فضيلة الشيخ‏:‏ هل يجوز التبرك بثوب الكعبة والتمسح به، فبعض الناس يقول‏:‏ إن شيخ الإسلام ابن تيمية أجاز ذلك‏؟‏ ‏.‏

فاجأب - حفظه الله - بقوله ‏:‏ التبرك بثوب الكعبة والتمسح به من البدع ؛ لأن ذلك لم يرد عن النبي -صلى الله عليه وسلم - ولما طاف معاوية بن أبي سفيان - رضي الله عنهما - بالكعبة ، وجعل يمسح جميع أركان البيت ، يمسح الحجر الأسود ، ويمسح الركن العراقي ، والركن الشامي ، والركن اليماني ، أنكر عليه عبد الله بن عباس ، فأجاب معاوية ‏:‏ ليس شيء من البيت مهجوراً ، فأجابه ابن عباس ‏:‏ ‏{‏لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة‏}‏ وقد رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يمسح الركنين يعني الحجر الأسود واليماني ‏.‏ وهذا دليل على أنه يجب علينا أن نتوقف في مسح الكعبة وأركانها ، على ما جاءت به السنة ؛ لأن هذه هي الأسوة الحسنة في رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ وأما الملتزم الذي بين الحجر الأسود والباب ، فإن هذا قد ورد عن الصحابة - رضي الله عنهم- أنهم قاموا به فالتزموا ذلك والله أعلم‏.‏

أما ما قاله السائل أن هذا قول شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - فنحن نعلم أنه - رحمه الله - من أشد الناس محاربة للبدع ؛ وإذا قدر أنه ثبت عنه فليس قوله حجة على غيره ؛ لأن ابن تيمية - رحمه الله - كغيره من أهل العلم يخطئ ويصيب ؛ وإذا كان معاوية - رضي الله عنه - وهو من الصحابة أخطأ فيما أخطأ فيه من مسح الأركان الأربعة حتى نبهه عبد الله بن عباس في هذا ؛ فإن من دون معاوية يجوز عليه الخطأ؛ فنحن أولاً -نطالب هذا الرجل بإثبات ذلك عن شيخ الإسلام ابن تيمية؛ وإذا ثبت عن شيخ الإسلام ابن تيمية ، فإنه ليس بحجة ؛ لأن أقوال أهل العلم يحتج لها ولا يحتج بها وهذه قاعدة ينبغي أن نعرفها‏:‏ ‏(‏كل أهل العلم أقوالهم يحتج لها ولا يحتج بها إلا إذا حصل إجماع المسلمين ‏)‏ فإن الإجماع لا يمكن الخروج عنه ، بل لا يمكن الخروج عليه‏.‏

حكم بطاقة فيها أذكار مرتبة من بعض الصوفية

‏(‏367‏)‏ سئل فضيلة الشيخ ‏:‏ عن بطاقة أرسلت إليه فيها أذكار مرتبة من بعض الصوفية‏؟‏ ‏.‏

فأجاب - حفظه الله - بقوله ‏:‏ اطلعت على صورة البطاقة ومن أجل العدل وبيان الحق أجبت عما فيها على سبيل الاختصار بما يلي‏:‏

1- تضمنت هذه البطاقة الحث على ذكر الله تعالى ؛ وهذا حق ، ولكن ذكر الله- تعالى - عبادة يتقرب بها إليه فيجب التمشي فيها على ما شرعه الله - عز وجل -؛ ولا يتم ذلك إلا بالإخلاص لله- تعالى -، والاتباع لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبذلك تتحقق شهادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمداً رسول الله -؛ ولا يكون الاتباع إلا إذا كانت العبادة مبنية على الشرع في سببها ، وجنسها ، وقدرها ، وكيفيتها ، وزمانها ، و مكانها ‏.‏

وإذا كان كذلك فإن الذكر الموجود في البطاقة لا يتضمن ما ذكر فلا يصح أن يكون قربة إلى الله- تعالى -، أو ذكراً مرضياً عنده، كما هو ظاهر لمن رآه ، فأين في شريعة الله هذا النوع من الذكر الذي رتبوه ‏؟‏‏!‏ وأين في شريعة الله هذا العدد الذي عينوه ‏؟‏‏!‏ وأين في شريعة الله عز وجل هذا الزمن الذي خصصوه بحيث يكون هذا في الليل، وهذا في النهار ‏؟‏‏!‏ وأين في شريعة الله تقديم الفاتحة عند البدء بهذا الذكر البدعي‏؟‏‏!‏‏.‏

2- تضمنت هذه البطاقة قراءة الفاتحة لحضرة النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ فإن أرادوا بحضرته ذاته وأن يقرأ الإنسان الفاتحة، ويهدي ثوابها للنبي - صلى الله عليه وسلم - فهذه بدعة لم يفعلها الصحابة - رضي الله عنهم - ؛ وهو من جهل فاعله ، فإن النبي ، صلى الله عليه وسلم، يناله من الأجر على العمل مثل ما ينال فاعله من أمته ؛ لأنه هو الدال عليه ؛ ومن دل على خير فله مثل أجر فاعله - بدون أن يهدي إليه الفاعل - وإن أرادوا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - يحضر بذاته فهو أدهى وأمَرٌّ ؛ وهو أمْرٌ منكر وزور ؛ فالنبي - صلى الله عليه وسلم - لا يحضر، ولن يخرج من قبره إلا عند البعث ، قال الله - تعالى - ‏:‏ ‏{‏منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى‏}‏ وقال - تعالى‏:‏ ‏{‏ثم إنكم بعد ذلك لميتون‏.‏ ثم إنكم يوم القيامة تبعثون‏}‏؛ وهذا عام لجميع المخاطبين ؛ وأشرف المخاطبين بذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ ولهذا قال الله له‏:‏ ‏{‏إنك ميت وإنهم ميتون‏.‏ ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون‏}‏ ‏.‏

1- 1- تضمنت هذه البطاقة من أسماء الله - تعالى - ‏(‏هو ‏)‏ ، وفسره بأنه حاضر لا يغيب ‏.‏ والقول بأن ‏(‏هو‏)‏ من أسماء الله قول باطل مبني على الجهل، والعدوان ؛ أما الجهل فلأن ‏(‏هو‏)‏ ضمير لا يدل على معنى سوى ما يتضمنه مرجع ذلك الضمير ، وأسماء الله تعالى كلها حسنى ؛ لقوله تعالى ‏:‏ ‏{‏ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها‏}‏ وهل أحد إذا دعا يقول ‏:‏ ‏:‏ يا هو اغفر لي ‏؟‏ وهل أحد يقول في البسملة ‏:‏ بسم هو بدلاً عن اسم الله - تعالى- ‏؟‏ وأما العدوان فلأن إثبات اسم لله - تعالى - لم يسم به نفسه عدوان على الله - تعالى -، وقول عليه بلا علم؛ وهو حرام ؛ لقوله تعالى - ‏:‏ ‏{‏قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطاناً وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون‏}‏ ‏.‏

ثم إن تفسير ‏(‏هو‏)‏ بـ ‏(‏ حاضر لا يغيب ‏)‏ كذب على اللغة العربية ، فإن كلمة ‏(‏ هو ‏)‏ ضمير غيبة، وليس ضمير حضور ؛ ومن فسره بما يدل على الحضور فهو من أجهل الناس باللغة العربية ، ودلالات ألفاظها - إن كان الذي حمله على ذلك الجهل - أو من أعظم الناس افتراء إن كان قد قصد التقول على الله ، وعلى اللغة العربية‏.‏

2- 2- فسر اسم الله ‏(‏ الواحد ‏)‏ ‏:‏ بأنه الذي لا ثاني له‏.‏

والصواب ‏:‏ لا شريك له - لا إله إلا الله وحده لا شريك له - وقولنا ‏:‏ ‏"‏لا شريك‏"‏ كما أنه هو الوارد ، فهو أبلغ مما جاء في هذه البطاقة‏.‏

3- 3- فسر اسم ‏(‏ العزيز ‏)‏ ‏:‏ بأنه الذي لا نظير له ، وهو قصور؛ والصواب ‏:‏ الغالب الذي لا يغلبه أحدٌ‏.‏

4- 4- فسر اسم ‏(‏القيوم‏)‏ ‏:‏ بأنه القائم بأسباب مخلوقاته‏.‏

والصواب‏:‏ القائم بنفسه وعلى غيره ‏:‏ قال الله - تعالى - ‏:‏ ‏{‏أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت‏}‏ ، فهو قائم بنفسه لا يحتاج إلى غيره، وهو قائم على غيره ‏:‏ فكل أحد محتاج إلى الله - عز وجل - وتفسيره بالقائم بأسباب مخلوقاته قاصر جداً ‏.‏

5- 5- ذكر في هذه البطاقة البدعية صيغة صلاة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما أنزل الله بها من سلطان وهي ‏:‏ ‏"‏اللهم صلِّ على سيدنا محمد ، عدد ما في علم الله ، صلاة دائمة بدوام ملك الله‏"‏ ‏.‏

6- 6- ذكر في هذه البطاقة البدعية أنه يتأكد الصلاة عليه عقب كل صلاة مكتوبة ثلاث مرات بصيغة ذكرها وهي ‏:‏ ‏"‏اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا ومولانا محمد ، وعلى آله ، وصحبه عدد حروف القرآن حرفاً حرفاً ، وعدد كل حرف ألفاً ألفاً ، وعدد صفوف الملائكة صفاً صفاً ، وعدد كل صف ألفاً ألفاً ، وعدد الرمال ذرةً ذرةً ، وعدد كل ذرة ألفَ ألفِ مرةٍ، عدد ما أحاط به علمك،وجرى به قلمك ، ونفذ به حكمك ، في برك ، وبحرك ، وسائر خلقك، عدد ما أحاط به علمك القديم من الواجب ، والجائز ، والمستحيل ، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا ومولانا محمد ، وعلى آله وصحبه مثل ذلك‏"‏‏.‏

وهاتان الصيغتان بدعيتان باطلتان مخالفتان لما علمه النبي - صلى الله عليه وسلم - أمته ، حيث قالوا‏:‏ يا رسول قد علمنا كيف نسلم عليك فكيف نصلي عليك‏؟‏ قال ‏:‏ ‏"‏قولوا ‏:‏ اللهم صلِّ على محمد ، وعلى آل محمد ، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم ، إنك حميد مجيد ، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم ، إنك حميد مجيد‏"‏ ‏.‏ وبهذا علم أن الأذكار، والصلوات البدعية مع بطلانها، وفسادها تستلزم الصد باعتبار حال فاعلها عما جاءت به الشريعة من الأذكار، والصلوات الشرعية؛ فحذار حذار أيها المؤمن من البدع ؛فإن كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار،كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان-‏.‏

حكم وضع العروس قدمها في دم خروف مذبوح

‏(‏368‏)‏ وسئل ‏:‏ عن حكم وضع العروس قدمها في دم خروف مذبوح‏؟‏

فأجاب بقوله ‏:‏ ليس لهذه العادة من أصل شرعي وهي عادة سيئة؛ لأنها ‏:‏

أولاً ‏:‏ عقيدة فاسدة لا أساس لها من الشرع‏.‏

ثانياً ‏:‏ أن تلوثها بالدم النجس سفه ؛ لأن النجاسة مأمور بإزالتها، والبعد عنها‏.‏

وبهذه المناسبة أود أن أقول لإخواني المسلمين ‏:‏ إن من المشروع أن الإنسان إذا أصابته النجاسة فليبادر بإزالتها، وتطهيرها ؛ فإن هذا هو هدي النبي ، صلى الله عليه وسلم ‏:‏ فإن الأعرابي لما بال في المسجد أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يراق على بوله ذنوبٌ من ماء؛ وكذلك الصبي الذي بال في حجر النبي ‏:‏ دعا النبي - صلى الله عليه وسلم - بماء فأتبعه إياه - أي أتبعه بول الصبي -؛ وتأخير إزالة النجاسة سبب يؤدي إلى نسيان ذلك، ثم يصلي الإنسان وهو على نجاسة؛ وهذا وإن كان يعذر به على القول الراجح، وأنه لو صلى بنجاسة نسي أن يغسلها فصلاته صحيحة؛ لكن ربما يتذكر في أثناء الصلاة؛ وحينئذ إذا لم يمكنه أن يتخلص من النجاسة مع الاستمرار في صلاته فلازم ذلك أنه سوف يقطع صلاته، وينصرف، ويبتدئها من جديد‏.‏

على كل حال هذه العادة السيئة التي وقع السؤال عنها فيها تلوث المرأة بالنجاسة الذي هو من السفه، فإن الشرع أمر بالتخلص من النجاسة وتطهيرها ، ثم إنني أخشى أن يكون هناك عقيدة أخرى وهي أن يذبحوه إما لجن ، أو شياطين، أو ما أشبه ذلك؛ فيكون هذا نوعاً من الشرك؛ ومعلوم أن الشرك لا يغفره الله - عز وجل - والله المستعان‏.‏

حكم وضع التمر على الطعام لئلا تأتيه الحشرات

‏(‏369‏)‏ وسئل فضيلة الشيخ عن حكم وضع التمر على الطعام لئلا تأتيه الحشرات ‏؟‏

فأجاب قائلاً ‏:‏ هذا الفعل وهو وضع التمر على الطعام لئلا تصيبه الحشرات لا أعلم له أصلاً من الشرع ، ولا أصلاً من الواقع؛ فإن الحشرات تأتي إلى مايلائمها ؛ فمنها ما يلائمه التمر، وتأتي حوله، وتأكل منه ؛ ومنها ما يلائمها الدسم، فتأتي إليه، وتطعم منه ؛ ولا أصل لهذا الذي يفعل؛ وإذا لم يكن له أصل من الشرع، ولا أصل من الواقع ، فإنه لا ينبغي للإنسان أن يفعله، لأنه مبني على مجرد أوهام، وخيالات لا حقيقة لها - والله أعلم‏.‏

سكن في دار، فأصابته الأمراض، وكثير من المصائب مما جعله يتشاءم هو وأهله من هذه الدار؛ فهل يجوز له تركها لهذا السبب

‏(‏370‏)‏ وسئل ‏:‏ عن شخص سكن في دار، فأصابته الأمراض، وكثير من المصائب مما جعله يتشاءم هو وأهله من هذه الدار؛ فهل يجوز له تركها لهذا السبب‏؟‏

فأجاب بقوله ‏:‏ ربما يكون بعض المنازل ، أو بعض المركوبات ، أو بعض الزوجات مشؤوماً يجعل الله بحكمته مع مصاحبته إما ضرراً ، أو فوات منفعة ، أو نحو ذلك ؛ وعلى هذا فلا بأس ببيع هذا البيت، والانتقال إلى بيت غيره ؛ ولعل الله أن يجعل الخير فيما ينتقل إليه؛ وقد ورد عن النبي ، صلى الله عليه وسلم ، أنه قال ‏:‏ ‏(‏الشؤم في ثلاث‏:‏ الدار ، والمرأة ، والفرس‏)‏ فبعض المركوبات يكون فيها شؤم ، وبعض الزوجات يكون فيهن شؤم، وبعض البيوت يكون فيها شؤم، فإذا رأى الإنسان ذلك فليعلم أنه بتقدير الله - عز وجل -، وأن الله - سبحانه وتعالى - بحكمته قدر ذلك لينتقل الإنسان إلى محل آخر - والله أعلم -‏.‏

حكم ما يفعله بعض أهل المزارع من ذهابهم إلى رجل ليكتب لهم ورقة تطرد الطيور، وتحمي مزارعهم

‏(‏371‏)‏ وسئل فضيلة الشيخ ‏:‏ عما يفعله بعض أهل المزارع من ذهابهم إلى رجل ليكتب لهم ورقة تطرد الطيور، وتحمي مزارعهم‏؟‏

فأجاب بقوله ‏:‏ هذا العمل ليس بجائز شرعاً؛ وذلك لأنه لا يمكن أن تكون هذه الورقة تطرد الطيور عن المزارع ؛ فإن هذا ليس معلوماً بالحس، ولا معلوماً بالشرع؛ وكل سبب ليس معلوماً بالحس، ولا بالشرع فإن اتخاذه محرم؛ فلا يجوز أن يعملوا هذا العمل؛ وإنما عليهم أن يكافحوا هذه الطيور التي تنقص محاصيلهم بالوسائل المعتادة التي يعرفها الناس - دون هذه الأمور التي لا يعلم لها سبب حسي، ولا شرعي‏.‏

حكم الورقة التي تسمى‏:‏ رحلة سعيدة

‏(‏372‏)‏ سئل فضيلة الشيخ ‏:‏ ما رأيكم في هذه الورقة التي تسمى

‏"‏رحلة سعيدة‏"‏

البطاقة الشخصية ‏:‏

الاسم ‏:‏ الإنسان ‏"‏ابن آدم‏"‏

الجنسية ‏:‏ من تراب ‏.‏

العنوان ‏:‏ كوكب الأرض ‏.‏

محطة المغادرة ‏:‏ الحياة الدنيا‏.‏

محطة الوصول ‏:‏ الدار الآخرة ‏.‏

موعد الإقلاع ‏:‏ ‏{‏وما تدري نفس ماذا تكسب غداً وما تدري نفس بأي أرض تموت‏}‏ ‏.‏

موعد الحضور ‏:‏ ‏{‏لكل أجل كتاب‏}

العفش المسموح به‏:‏

1- 1- متران قماش أبيض ‏.‏

2- 2- العمل الصالح ‏.‏

3- 3- دعاء الولد الصالح ‏.‏

4- 4- علم ينتفع به ‏.‏

5- 5- ما سوى ذلك لا يسمح باصطحابه في الرحلة‏.‏

شروط الرحلة السعيدة‏:‏

على حضرات المسافرين الكرام اتباع التعليمات الواردة في كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - ‏.‏

‏"‏مزيد من المعلومات‏"‏ يرجى الاتصال بكتاب الله وسنة رسوله الكريم‏.‏

ملاحظة ‏:‏ الاتصال مباشر ومجاناً ‏.‏ لا داعي لتأكيد الحجز هاتف 43442 ‏؟‏

فأجاب - حفظه الله ورعاه -بقوله ‏:‏رأيي في هذه التذكرة التي شاعت منذ زمن، وانتشرت بين الناس، ووضعت على وجوه شتى؛ منها هذا الوجه الذي بين يدي؛ وهذه الورقة تشبه أن تكون استهزاءً بهذه الرحلة؛ وانظر إلى قوله في أرقام الهاتف ‏:‏ ‏"‏43442‏"‏ يشير إلى الصلوات الخمس‏:‏ اثنين لصلاة الفجر ؛ وأربعة أربعة للظهر، والعصر؛ وثلاثة للمغرب؛ وأربعة للعشاء؛ فجعل الصلاة التي هي أعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين جعلها أرقاماً للهاتف، ثم قال‏:‏إن موعد الرحلة‏:‏ ‏{‏وما تدري نفس ماذا تكسب غداً وما تدري نفس بأي أرض تموت‏}‏ فنقول‏:‏ أين الوعد في هذه الرحلة ‏؟‏‏!‏ وقال ‏:‏ إن موعد الحضور‏:‏ ‏{‏لكل أجل كتاب‏}‏ فأين تحديد موعد الحضور‏؟‏‏!‏ والمهم أن كل فقراتها فيها شيء من الكذب ؛ ومنها العفش الذي قال‏:‏ إن منه العلم الذي ينتفع به، والولد الصالح ، وهذا لا يكون مصطحباً مع الإنسان؛ ولكنه يكون بعد الإنسان فالذي أرى أن تتلف هذه التذكرة ، وأن لا تنشر بين الناس، وأن يكتب بدلها شيء من كتاب الله أو سنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - حتى لا تقع مثل هذه المواعظ على سبيل الهزء ؛ وفي كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - ما يغني عن هذا كله‏.‏

وإنني بهذه المناسبة أود أن أنبه إلى أنه في هذه الآونة الأخيرة النشرات التي تنشر بين الناس ما بين أحاديث ضعيفة ، بل موضوعة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبين قراءٍ منامية تنسب لبعض الناس وهي كذب وليست بصحيحة ، وبين حِكَم تنشر وليس لها أصل ، وإنني أنبه إخواني المسلمين على خطورة هذا الأمر ، وأن الإنسان إذا أراد خيراً فليتصل برئاسة إدارة البحوث العلمية، والإفتاء، والدعوة، والإرشاد بالمملكة العربية السعودية ، وليعرض عليها ما عنده من المال الذي يحب أن ينشر ما ينتفع الناس به؛ وهي محل ثقة وأمانة؛ - والحمد لله - تجمع هذه الأموال وتطبع بها الكتب النافعة التي ينتفع بها المسلمون في هذه البلاد، وغيرها‏.‏ أما هذه النشرات التي ليست مبنية على شيء، وإنما هي أكذوبات أو أشياء ضعيفة ، أو حكم ليست حقيقية؛ بل هي كلمات عليها مؤاخذات، وملاحظات ؛ فإنني لا أحب أن ينتشر هذا بين المسلمين، وفيما صح من سنة الرسول - صلى الله عليه وسلم - كفاية - والله المستعان -‏.‏

حكم ورقة توزع باسم وصية أحمد خادم الحرم

‏(‏373‏)‏ وسئل فضيلة الشيخ ‏:‏ يقوم كثير من الناس بتوزيع ورقة يدعى أنها وصية أحمد خادم الحرم فما حكم هذا العمل‏؟‏

فأجاب بقوله ‏:‏ هذه الوصية من شخص مجهول سمى نفسه الشيخ أحمد؛ ولكن فعله ليس بأحمد؛ هذا الرجل ادعى أنه رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - وأوصاه بوصية، وحثه على نشر هذه الوصية، وتوعد من لم ينشرها بمصائب تأتيه، أو تأتي أولاده ، ولكن هذه الوصية مكذوبة ؛ والعجيب أن الشيخ محمد رشيد رضا المشهور يقول ‏:‏ ‏:‏ إن هذه قد راجت منذ أكثر من مائة سنة يقول‏:‏ هذه راجت وأنا في سن الطلب‏.‏ وهي كلما انتهز الوضاعون الكذابون الفرصة نشروها بين الناس وعلى من رأى هذا المنشور أن يمزقه؛ ولا يحل له أن ينشره إلا إذا كتب فيه بأن هذا موضوع مكذوب على الرسول -صلى الله عليه وسلم -‏.‏

التوسل

حكم التوسل

‏(‏374‏)‏ سئل فضيلة الشيخ -جزاه الله عن الإسلام والمسلمين خيرالجزاء-‏:‏عن حكم التوسل‏؟‏

فأجاب بقوله ‏:‏ هذا سؤال مهم، فنحب أن نبسط الجواب فيه؛ فأقول ‏:‏

التوسل ‏:‏ مصدر توسل يتوسل ‏:‏ ، أي اتخذ وسيلة توصله إلى مقصوده ؛ فأصله طلب الوصول إلى الغاية المقصودة ‏.‏

وينقسم التوسل إلى قسمين ‏:‏

القسم الأول‏:‏ قسم صحيح ، وهو التوسل بالوسيلة الصحيحة الموصلة إلى المطلوب؛ وهو على أنواع نذكر منها‏:‏

النوع الأول ‏:‏ التوسل بأسماء الله - تعالى -؛ وذلك على وجهين ‏:‏

الوجه الأول‏:‏ أن يكون ذلك على سبيل العموم؛ ومثاله ما جاء في حديث عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه - في دعاء الهم والغم قال ‏:‏

‏(‏اللهم إني عبدك ، ابن عبدك ، ابن أمتك ، ناصيتي بيدك ، ماض فيّ حكمك، عدل فيّ قضاؤك ، أسألك اللهم بكل اسم هو لك سميت به نفسك ، أو أنزلته في كتابك ، أو علمته أحداً من خلقك ، أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن ربيع قلبي‏.‏‏.‏‏.‏‏)‏ الخ؛ فهنا توسل بأسماء الله - تعالى - على سبيل العموم ‏(‏أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك ‏)‏‏.‏

الوجه الثاني‏:‏ أن يكون ذلك على سبيل الخصوص بأن يتوسل الإنسان باسم خاص لحاجة خاصة تناسب هذا الاسم ، مثل ما جاء في حديث أبي بكر - رضي الله عنه - حيث طلب من النبي - صلى الله عليه وسلم - دعاءً يدعو به في صلاته، فقال ‏:‏ ‏(‏قل ‏:‏ اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً ، ولا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لي مغفرة من عندك ، وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم‏)‏ فطلب المغفرة والرحمة وتوسل إلى الله -تعالى - باسمين من أسمائه مناسبين للمطلوب وهما ‏"‏الغفور‏"‏ و ‏"‏الرحيم‏"‏ ‏.‏

وهذا النوع من التوسل داخل في قوله - تعالى-‏:‏ ‏{‏ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها‏}‏ فإن الدعاء هنا يشمل دعاء المسألة ، ودعاء العبادة ‏.‏

النوع الثاني‏:‏ التوسل إلى الله -تعالى - بصفاته ، وهو أيضاً كالتوسل بأسمائه على وجهين‏:‏

الوجه الأول ‏:‏ أن يكون عاماً كأن تقول ‏:‏ ‏"‏اللهم إني أسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العليا‏"‏ ثم تذكر مطلوبك ‏.‏

الوجه الثاني‏:‏ أن يكون خاصاً ، كأن تتوسل إلى الله - تعالى - بصفة معينة خاصة لمطلوب خاص ، مثل ما جاء في الحديث ‏(‏اللهم بعلمك الغيب وقدرتك على الخلق أحيني ما علمت الحياة خيراً لي ، وتوفني إذا علمت الوفاة خيراً لي ‏)‏ فهنا توسل لله - تعالى - بصفة ‏"‏العلم‏"‏ و‏"‏القدرة‏"‏ وهما مناسبتان للمطلوب‏.‏

ومن ذلك أن يتوسل بصفة فعلية مثل‏:‏ اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم‏.‏

النوع الثالث‏:‏ أن يتوسل الإنسان إلى الله- عز وجل- بالإيمان به، وبرسوله - صلى الله عليه وسلم- فيقول‏:‏‏(‏ اللهم إني آمنت بك ، وبرسولك فاغفر لي أو وفقني‏)‏ ، أو يقول‏:‏ ‏(‏اللهم بإيماني بك وبرسولك أسألك كذا وكذا‏)‏ ،ومنه قوله-تعالى ‏:‏ ‏{‏إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب‏.‏ الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم‏}‏ إلى قوله ‏:‏ ‏{‏ربنا إننا سمعنا منادياً ينادي للإيمان أن آمنوا بربكم فآمنا ربنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار‏}‏ فتوسلوا إلى الله - تعالى - بالإيمان به أن يغفر لهم الذنوب، ويكفر عنهم السيئات، ويتوفاهم مع الأبرار‏.‏

النوع الرابع ‏:‏ أن يتوسل إلى الله - سبحانه وتعالى - بالعمل الصالح ؛ ومنه قصة النفر الثلاثة الذين أووا إلى غار ليبيتوا فيه، فانطبق عليهم الغار بصخرة لا يستطيعون زحزحتها ، فتوسل كل منهم إلى الله بعمل صالح فعله ؛ فأحدهم توسل إلى الله - تعالى - ببره بوالديه؛ والثاني بعفته التامة ؛ والثالث بوفائه لأجيره ، قال كل منهم ‏(‏اللهم إن كنت فعلت ذلك من أجلك فافرج عنا ما نحن فيه‏)‏ فانفرجت الصخرة، فهذا توسل إلى الله بالعمل الصالح‏.‏

النوع الخامس ‏:‏ أن يتوسل إلى الله -تعالى- بذكر حاله يعني أن الداعي يتوسل إلى الله تعالى بذكر حاله وما هو عليه من الحاجة ، ومنه قول موسى - صلى الله عليه وسلم -‏:‏ ‏{‏رب إني لما أنزلت إليّ من خير فقير‏}‏ يتوسل إلى الله - تعالى - بذكر حاله أن ينزل إليه الخير ‏.‏ ويقرب من ذلك قول زكريا - عليه الصلاة والسلام -‏:‏ ‏{‏رب إني وهن العظم مني واشتعل الرأس شيباً ولم أكن بدعائك ربِ شقيا‏}‏ فهذه أنواع من التوسل كلها جائزة؛ لأنها أسباب صالحة لحصول المقصود بالتوسل بها‏.‏

النوع السادس‏:‏ التوسل إلى الله - عز وجل- بدعاء الرجل الصالح الذي ترجى إجابته ، فإن الصحابة - رضي الله عنهم - كانوا يسألون النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يدعو الله عز وجل لهم بدعاءٍ عام، ودعاءٍ خاص؛ ففي الصحيحين من حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه - أن رجلاً دخل يوم الجمعة والنبي - صلى الله عليه وسلم - يخطب فقال ‏:‏ يا رسول الله هلكت الأموال وانقطعت السبل فادع الله يغيثنا ، فرفع النبي - صلى الله عليه وسلم - يديه وقال‏:‏ ‏(‏اللهم أغثنا‏)‏ ثلاث مرات، فما نزل من منبره إلا والمطر يتحادر من لحيته ، وبقي المطر أسبوعاً كاملاً ‏.‏ وفي الجمعة الأخرى جاء ذلك الرجل أو غيره والنبي - صلى الله عليه وسلم - يخطب فقال ‏:‏ يا رسول الله ، غرق المال ، وتهدم البناء فادع الله أن يمسكها عنا ، فرفع النبي - صلى الله عليه وسلم - يديه وقال‏:‏ ‏(‏اللهم حوالينا ولا علينا‏)‏ فما يشير إلى ناحية من السماء إلا انفرجت ، حتى خرج الناس يمشون في الشمس؛ وهناك عدة وقائع سأل الصحابة النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يدعو لهم على وجه الخصوص ومن ذلك أن النبي-صلى الله عليه وسلم - ذكر أن في أمته سبعين ألفاً يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب وهم الذين لا يسترقون ، ولا يكتوون ، ولا يتطيرون ، وعلى ربهم يتوكلون ، فقام عكاشة بن محصن وقال ‏:‏ يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم فقال‏:‏ ‏(‏أنت منهم‏)‏ فهذا أيضاً من التوسل الجائز وهو أن يطلب الإنسان من شخص ترجى إجابته أن يدعو الله - تعالى - له؛ إلا أن الذي ينبغي‏:‏ أن يكون السائل يريد بذلك نفع نفسه ، ونفع أخيه الذي طلب منه الدعاء ، حتى لا يتمحض السؤال لنفسه خاصة ؛ لأنك إذا أردت نفع أخيك ونفع نفسك صار في هذا إحسان إليه؛ فإن الإنسان إذا دعا لأخيه في ظهر الغيب قال الملك ‏:‏ ‏(‏آمين ولك بمثل‏)‏ وهو كذلك يكون من المحسنين بهذا الدعاء والله يحب المحسنين‏.‏

القسم الثاني‏:‏ - التوسل غير الصحيح وهو ‏:‏ -

أن يتوسل الإنسان إلى الله - تعالى - بما ليس بوسيلة ، أي بما لم يثبت في الشرع أنه وسيلة؛ لأن التوسل بمثل ذلك من اللغو، والباطل المخالف للمعقول ، والمنقول ؛ ومن ذلك أن يتوسل الإنسان إلى الله - تعالى - بدعاء ميت يطلب من هذا الميت أن يدعو الله له ؛ لأن هذا ليس وسيلة شرعية صحيحة؛ بل من سفه الإنسان أن يطلب من الميت أن يدعو الله له ؛ لأن الميت إذا مات انقطع عمله ، ولا يمكن لأحد أن يدعو لأحد بعد موته ، حتى النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يمكن أن يدعو لأحد بعد موته؛ ولهذا لم يتوسل الصحابة - رضي الله عنهم - إلى الله بطلب الدعاء من رسوله - صلى الله عليه وسلم - بعد موته ؛ فإن الناس لما أصابهم الجدب في عهد عمر- رضي الله عنه- قال‏:‏ - ‏(‏اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا‏)‏ فقام العباس - رضي الله عنه- فدعا الله- تعالى- ‏.‏ ولو كان طلب الدعاء من الميت سائغاً، ووسيلة صحيحة لكان عمر ومن معه من الصحابة يطلبون ذلك من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ لأن إجابة دعائه - صلى الله عليه وسلم - أقرب من إجابة دعاء العباس - رضي الله عنه-؛ فالمهم أن التوسل إلى الله- تعالى - بطلب الدعاء من ميت توسل باطل لا يحل، ولا يجوز‏.‏

ومن التوسل الذي ليس بصحيح ‏:‏ أن يتوسل الإنسان بجاه النبي - صلى الله عليه وسلم- وذلك أن جاه الرسول- صلىالله عليه وسلم - ليس مفيداً بالنسبة إلى الداعي؛ لأنه لا يفيد إلا الرسول - صلى الله عليه وسلم - أما بالنسبة للداعي فليس بمفيد حتى يتوسل إلى الله به؛ وقد تقدم أن التوسل اتخاذ الوسيلة الصالحة التي تثمر ‏.‏ فما فائدتك أنت من كون الرسول - صلى الله عليه وسلم- له جاه عند الله ‏؟‏‏!‏ وإذا أردت تتوسل إلى الله على وجه صحيح فقل‏:‏ اللهم بإيماني بك وبرسولك، أو بمحبتي لرسولك، وما أشبه ذلك؛ فإن هذا الوسيلة الصحيحة النافعة ‏.‏